فصل: قال أبو السعود:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو السعود:

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ}
نُصب بإضمار اذكرْ وشروعٌ في القصة إنجازًا للوعد بأحسنِ الاقتصاصِ، أو بدلٌ من أحسنَ القصصِ على تقدير كونِه مفعولًا بدلَ اشتمالٍ فإن اقتصاصَ الوقتِ المشتملِ على المقصوص من حيث اشتمالُه عليه اقتصاصٌ للمقصوص، ويوسُفُ اسمٌ عبريٌّ لا عربيٌّ لخلوّه عن سبب آخرَ غيرِ التعريف، وفتح السين وكسرها على بعض القراءات بناءً على التلعّب به لا على أنه مضارعٌ بُني للمفعول أو الفاعلِ من آسَف لشهادة المشهورة بعجمته: {لأَبِيهِ} يعقوبَ بنِ إسحاقَ بن إبراهيمَ عليهم الصلاة والسلام، وقد روي عنه عليه السلام: «إن الكريمَ بنَ الكريمِ بنِ الكريمِ بن الكريم يوسفُ بنُ يعقوبَ بنِ إسحاقَ بنِ إبراهيمَ».
{يا أبت} أصله يا أبي فعوِّض عن الياء تاءُ التأنيثِ لتناسُبهما في الزيادة فلذلك قُلبت هاءً في الوقف على قراءة ابن كثير، وأبي عمرو، ويعقوبَ، وكسرتُها لأنها عوضٌ عن حرف يناسبها وفتحها ابنُ عامر في كل القرآن لأنها حركةُ أصلها، أو لأن الأصلَ يا أبتا فحُذف الألفُ وبقيت الفتحة، وإنما لم يُجز يا أبتي لأنه جمعٌ بين العِوض والمعوَّض، وقرئ بالضم إجراءً لها مُجرى الألفاظِ المؤنثة بالتاء من غير اعتبار التعويضِ وعدم تسكينها كأصلها لأنها حرفٌ صحيحٌ منزلٌ منزلةَ الاسمِ فيجب تحريكها ككاف الخطاب.
{إِنّى رَأَيْتُ} من الرؤيا لا من الرؤية لقوله: {لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ}، {هذا تَأْوِيلُ رؤياى} ولأن الظاهرَ أن وقوعَ مثلِ هذه الأمور البديعةِ في عالم الشهادةِ لا يختص برؤية راءٍ دون راءٍ فيكون طامّةً كبرى لا يخفى على أحد من الناس: {أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشمس والقمر} روي عن جابر رضي الله عنه: أن يهوديًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أخبرني يا محمد عن النجوم التي رآهن يوسُف عليه السلام، فسكت النبيُّ عليه السلام فنزل جبريلُ عليه السلام فأخبره بذلك فقال عليه السلام: «إذا أخبرتك بذاك هل تسلم؟» فقال: نعم، قال عليه السلام: «جريانُ والطارقُ والذيال وقابسُ وعمودان والفليقُ والمصبحُ والضّروحُ والفرعُ ووثّابُ وذو الكتفين، رآها يوسف عليه السلام والشمس والقمر ونزلن من السماء وسجَدْن له» فقال اليهوديُّ: إي والله إنها لأسماؤها.
وقيل: الشمس والقمرُ أبواه، وقيل: أبواه، وقيل: أبوه وخالتُه والكواكبُ إخوتُه، وإنما أُخِّر الشمسُ والقمر عن الكواكب لإظهار مزيتِهما وشرفِهما على سائر الطوالعِ بعطفهما عليهما كما في عطف جبريلَ وميكائيلَ على الملائكة عليهم السلام وقد جُوِّز أن تكون الواو بمعنى مع أي رأيت الكواكبَ مع الشمس والقمر، ولا يبعُد أن يكون ذلك إشارةً إلى تأخر ملاقاتِه عليه السلام لهما عن ملاقاته لإخوته. وعن وهب أن يوسفَ عليه السلام رأى وهو ابنُ سبعِ سنين أن إحدى عشرةَ عصًا طِوالًا كانت مركوزة في الأرض كهيئة الداوة وإذا عصًا صغيرةٌ تثب عليها حتى اقتلعتْها وغلبتْها فوصف ذلك لأبيه فقال: إياك أن تذكرَ هذا لإخوتك، ثم رأى وهو ابن ثنتي عشرةَ سنةً الشمسَ والقمرَ والكواكبَ تسجُد له فقصّها على أبيه، فقال: لا تقصَّها عليهم فيبغوا لك الغوائل، وقيل: كان بين رؤيا يوسفَ ومصير إخوتِه إليه أربعون سنةً، وقيل: ثمانون: {رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ} استئنافٌ ببيان حالِهم التي رآهم عليها كأن سائلًا سأل فقال: كيف رأيتهم؟ فأجاب بذلك، وإنما أُجريت مُجرى العقلاءِ في الضمير لوصفها بوصف العقلاءِ السجود، وتقديمُ الجار والمجرور لإظهار العنايةِ والاهتمام بما هو الأهمُّ مع ما في ضمنه من رعاية الفاصلة.
{قَالَ يَا بُنَىَّ} صغّره للشفقه، أو لها ولصِغَر السن وهو أيضًا استئنافٌ مبنيٌ على سؤال من قال: فماذا قال يعقوبُ بعد سماعِ هذه الرؤيا العجيبةِ؟ ولمّا عرَف يعقوبُ عليه السلام من هذه الرؤيا أن يوسفَ يبلّغه الله تعالى مبلغًا جليلًا من الحكمة ويصطفيه للنبوة وينعم عليه بشرف الدارين كما فعل بآبائه الكرامِ خاف عليه حسَدَ الإخوة وبغيَهم فقال صيانةً لهم من ذلك وله من معاناة المشاقِّ ومقاساةِ الأحزان، وإن كان واثقًا بأن الله تعالى سيحقق ذلك لا محالة وطمعًا في حصوله بلا مشقة: {لاَ تَقْصُصْ رُءيَاكَ} هي ما في المنام كما أن الرؤيةَ ما في اليقظة، فُرّق بينهما بحرفي التأنيث كما في القربى والقربة، وحقيقتُها ارتسامُ الصورةِ المنحدرة من أفق المُتخيّلة إلى الحس المشترك، والصادقةُ منها إنما تكون باتصال النفسِ بالملكوت لما بينهما من التناسب عند فراغِها من تدبير البدنِ أدنى فراغٍ فتتصور بما فيها مما يليق من المعاني الحاصلةِ هناك ثم إن المتخيلة تحاكيه بصورة تناسبه فترسلها إلى الحس المشتركِ فتصير مشاهِدةً ثم إذا كانت شديدة المناسبة لذلك المعنى بحيث لا يكون التفاوتُ إلا بالكلية والجزئية استغنت الرؤيا عن التعبير وإلا احتاجت إليه: {على إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ} نصب بإضمار أن أي فيفعلوا: {لَكَ} أي لأجلك ولإهلاكك: {كَيْدًا} متينًا راسخًا لا تقدر على التفصّي عنه، أو خفيًا عن فهمك لا تتصدى لمدافعته وهذا أوفقُ بمقام التحذير وإن كان يعقوبُ عليه السلام يعلم أنهم ليسوا بقادرين على تحويل ما دلت الرؤيا على وقوعه، وهذا الأسلوبُ آكدُ من أن يقال: فيكيدوك كيدًا، إذ ليس فيه دِلالةٌ على كون نفس الفعلِ مقصودَ الإيقاع، وقد قيل: إنما جيء باللام لتضمينه معنى الاحتيالِ المتعدِّي باللام ليفيد معنى المضمَّنِ والمضمّن فيه للتأكيد أي فيحتالوا لك ولإهلاكك حيلةً وكيدًا، والمرادُ بإخوته هاهنا الذين يَخشى غوائلَهم ومكايدَهم بنو عَلاّته الأحدَ عشرَ، وهم يهوذا وروبيلُ وشمعونُ ولاوي وربالون ويشجُرُ ودينة بنو بعقوب من ليا بنت خالته ودان ونفتالي وجاد وآشر بنوه من سريّتين زلفة وبلهة وهؤلاء هم المشارُ إليهم بالكواكب الأحدَ عشر وأما بنيامين الذي هو شقيقُ يوسفَ عليه السلام وأمُّهما راحيل التي تزوجها يعقوبُ عليه السلام بعد وفاة أختها ليّا أو في حياتها إذ لم يكن جمعُ الأختين إذ ذاك محرمًا فليس بداخل تحت هذا النهي إذ لا يتوهم مضرّتُه ولا يُخشى معرّتُه ولم يكن معدودًا معهم في الرؤيا إذ لم يكن معهم في السجود ليوسف والمرادُ نهيُه عن اقتصاص الرؤيا عليهم كلًا أو بعضًا.
{إِنَّ الشيطان للإنسان عَدُوٌّ مُّبِينٌ} ظاهرُ العداوة فلا يألو جهدًا في إغواء إخوتِك وإضلالِهم وحملهم على ما لا خير فيه، وهو استئنافٌ كأن يوسف عليه السلام قال: كيف يصدر ذلك عن إخوتي الناشئين في بيت النبوة؟ فقيل: إن الشيطان يحمِلهم على ذلك، ولما نبهه عليهما السلام على أن لرؤياه شأنًا عظيمًا يستتبع منافعَ وحذّره إشاعتَها المؤديةَ إلى أن يحول إخوتُه بينها وبين ظهورِ آثارِها وحصولِها أو يُوعروا سبيلَ وصولِها شرع في تعبيرها وتأويلها على وجه إجمالي فقال: {وكذلك} أي ومثلَ ذلك الاجتباءِ البديعِ الذي شاهدتَ آثارَه في عالم المثالِ من سجود تلك الأجرامِ العلوية النيِّرةِ لك، وبحسَبه وعلى وَفْقه: {يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ} يختارك لجناب كبريائِه ويستنبئك افتعال من جباه إذا جمعه، ويصطفيك على أشراف الخلائقِ وسَراةِ الناس قاطبةً ويُبرز مصداق تلك الرؤيا في عالم الشهادة حسب ما عاينته من غير قصور، والمرادُ بالتشبيه بيانُ المضاهاةِ المتحققةِ بين الصور المرئيةِ في عالم المثالِ وبين ما وقعت هي صورًا وأشباحًا له من الكائنات الظاهرةِ بحسبها في عالم الشهادة أي كما سُخّرت لك تلك الأجرامُ العظامُ يسخِّرْ لك وجوهَ الناس ونواصيَهم مذعنين لطاعتك خاضعين لك على وجه الاستكانة، ومرادُه بيانُ إطاعةِ أبويه وإخوتِه له لكنه إنما لم يصرّح به حذرًا من إذاعته: {وَيُعَلّمُكَ} كلامٌ مبتدأٌ غيرُ داخل تحت التشبيه أراد به عليه السلام تأكيدَ مقالته وتحقيقَها وتوطينَ نفسِ يوسفَ عليه السلام بما أخبر به على طريقة التعبيرِ والتأويل، كأنه قال وهو يعلمك: {مِن تَأْوِيلِ الاحاديث} أي ذلك الجنسِ من العلوم أو طرفًا صالحًا منه فتطلّع على حقيّة ما أقول، ولا يخفى ما فيه من تأكيد ما سبق والبعثِ على تلقي ما سيأتي بالقبول، والمرادُ بتأويل الأحاديث تعبيرُ الرؤيا إذ هي أحاديثُ الملَكِ إن كانت صادقةً أو أحاديثُ النفس أو الشيطان إن لم تكن كذلك، والأحاديثُ اسم جمعٍ للحديث كالأباطيل اسم جمع للباطل لا جمع أُحدوثة، وقيل: كأنهم جمعوا حديثًا على أحْدِثة ثم جمعوا الجمعَ على أحاديث كقطيع وأقطِعة وأقاطيع، وقيل: هو تأويلُ غوامضِ كتب الله تعالى وسنن الأنبياء عليهم السلام، والأولُ هو الأظهرُ، وتسميةُ التعبير تأويلًا لأنه جُعل المرئيُّ آيلًا إلى ما يذكره المعبِّرُ بصدد التعبير ورجْعِه إليه فكأنه عليه الصلاة والسلام أشار بذلك إلى ما سيقع من يوسف عليه السلام من تعبيره لرؤيا صاحبَيْ السجنِ ورؤيا الملِك وكون ذلك ذريعةً إلى ما يبلّغه الله تعالى إليه من الرياسة العظمى التي عبر عنها بإتمام النعمة، وإنما عرَف يعقوبُ عليه السلام ذلك منه من جهة الوحي، أو أراد كونَ هذه الخَصلةِ سببًا لظهور أمرِه عليه السلام على الإطلاق فيجوز حينئذ أن تكون معرفتُه عليه السلام لذلك بطريق الفِراسةِ والاستدلال من الشواهد والدلائل والأَمارات والمخايل بأن مَن وفقه الله تعالى لمثل هذه الرؤيا لابد من توفيقه لتعبيرها وتأويل أمثالِها وتمييز ما هو آفاقيٌّ منها مما هو أنفُسيٌّ. كيف لا وهي تدل على كمال تمكّن نفسِه عليه السلام في عالم المثال وقوةِ تصرفاتِها فيه فيكون أقبلَ لفيضان المعارفِ المتعلّقة بذلك العالم وبما يحاكيه من الأمور الواقعةِ بحسبها في عالم الشهادةِ وأقوى وقوفًا على النِّسب الواقعة بين الصور المعاينةِ في أحد ذينك العالمين وبين الكائنات الظاهرةِ على وفقها في العالم الآخر، وأن هذا الشأنَ البديلَ لابد أن يكون أنموذجًا لظهور أمرِ من اتصف به ومدارًا لجريان أحكامِه فإن لكل نبيَ من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معجزةً بها تظهر آثارُه وتجري أحكامُه: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ} بأن يضم إلى النبوة المستفادةِ من الاجتباء المُلكَ ويجعله تتمة لها، وتوسيطُ ذكر التعليم المذكور بينهما لكونه من لوازم النبوةِ والاجتباءِ ولرعاية ترتيبِ الوجود الخارجي ولِما أشرنا إليه من كون أثرِه وسيلةً إلى تمام النعمةِ ويجوز أن يعدّ نفسُ الرؤيا من نعم الله تعالى عليه فيكون جميعُ النعم الواصلة إليه من كون أثرِه وسيلةً إلى تمام النعمةِ، ويجوز أن يُعدَّ نفس الرؤيا من نعم الله تعالى عليه فيكون جميع النعم الواصلة إليه بحسبها مصداقًا لها تمامًا لتلك النعمة.
{وعلى ءالِ يَعْقُوب} وهم أهلُه من بنيه وغيرهم فإن رؤيةَ يوسفَ عليه السلام إخوتَه كواكبَ يهتدى بأنوارها من نعم الله تعالى عليهم لدِلالتها على مصير أمرِهم إلى النبوة فيقع كلُّ ما يخرج من القوة إلى الفعل من كمالاتهم بحسب ذلك تمامًا لتلك النعمةِ لا محالة، وأما إذا أريد بتمام تلك النعمةِ المُلكُ فكونُه كذلك بالنسبة إليهم باعتبار أنهم يغتنمون آثارَه من العزِ والجاهِ والمال،: {كَمَا أَتَمَّهَا على أَبَوَيْكَ} نصبٌ على المصدرية أي ويتم نعمتَه عليك إتمامًا كائنًا كإتمام نعمتِه على أبويك وهي نعمةُ الرسالةِ والنبوةِ وإتمامُها على إبراهيمَ عليه السلام باتخاذه خليلًا وإنجائه من النار ومن ذبح الولدِ، وعلى إسحاقَ بإنجائه من الذبح وفدائِه بذِبْحٍ عظيم وبإخراج يعقوبَ والأسباطِ من صُلبه وكلُّ ذلك نعمٌ جليلة وقعت تتمةً لنعمة النبوة. ولا يجب في تحقيق التشبيهِ كونُ ذلك في جانب المشبّه به مثلَ ما وقع في جانب المشبه من كل وجه: {مِن قَبْلُ} أي من قبل هذا الوقت أو من قبلك: {إِبْرَاهِيمَ وإسحاق} عطفُ بيانٍ لأبويك، والتعبيرُ عنهما بالأب من كونهما أبا جدِّه وأبا أبيه للإشعار بكمال ارتباطِه بالأنبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام وتذكيرِ معنى: الولدُ سرُّ أبيه ليطمئن قلبُه بما أخبر به في ضمن التعبيرِ الإجمالي لرؤياه، والاقتصارُ في المشبه به على ذكر إتمام النعمةِ من غير تعرض للاجتباء من باب الاكتفاء فإن إتمامَ النعمةِ يقتضي سابقةَ النعمة المستدعيةِ للاجتباء لا محالة: {إِنَّ رَبَّكَ} استئنافٌ لتحقيق مضمونِ الجُمل المذكورةِ أي يفعل ما ذكر لأنه: {عَلِيمٌ} بكل شيءٍ فيعلم من يستحق الاجتباءَ وما يتفرَّع عليه من التعليم المذكورِ وإتمامِ النعمةِ العامة على الوجه المذكور: {حَكِيمٌ} فاعلٌ لكل شيءٍ حسبما تقتضيه الحكمةُ والمصلحة فيفعل ما يفعل كما يفعل جريًا على سنن علمِه وحكمتِه، والتعرضُ لعنوان الربوبيةِ في الموضعين لتربية تحققِ وقوعِ ما ذكر من الأفاعيل. هذا وقد قيل في تفسير الآية الكريمةِ: أي وكما اجتباك لمثل هذه الرؤيا الدالةِ على شرف وعزَ وكمالِ نفس يجتبيك ربُّك للنبوة والمُلك أو لأمور عِظامٍ ويُتمُّ نعمتَه عليك بالنبوة أو بأن يصل نعمةَ الدنيا بنعمة الآخرة حيث جعلهم في الدنيا أنبياءَ وملوكًا ونقلهم عنها إلى الدرجات العلا في الجنة كما أتمها على أبويك بالرسالة فتأمل والله الهادي. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ}
نصب باضمار اذكر بناءًا على تصرفها، وذكر الوقت كناية عن ذكر ما حدث فيه والكلام شروع في إنجاز ما وعد سبحانه، وحكى مكى أن العامل في {إِذْ}: {الغافلين} [يوسف: 3].
وقال ابن عطية: يجوز أن يكون العامل فيها: {نَقُصُّ} [يوسف: 3]، وروي ذلك عن الزجاج على معنى نقص عليك الحال: {إِذْ} إلخ.
وهي للوقت المطلق المجرد عن اعتبار المضي، وفي كلا الوجهين ما فيه.
واستظهر أبو حيان بقاءها على معناها الأصلي وأن العامل فيها: {قَالَ يَاءادَمُ بَنِى} [يوسف: 5] كما تقول: إذ قام زيد قام عمرو، ولا يخلو عن بعد، وجوز الزمخشري كونها بدلًا من: {حُسْنُ القصص} [يوسف: 3] على تقدير جعله مفعولًا به وهو بدل اشتمال، وأورد أنه إذا كان بدلًا من المفعول يكون الوقت مقصوصًا ولا معنى له، وأجيب بأن المراد لازمة وهو اقتصاص قول يوسف عليه السلام فإن اقتصاص وقت القول ملزوم لاقتصاص القول.
واعترض بأنه يكون بدل بعض أو كل لا اشتمال، وأجيب بأنه إنما يلزم ما ذكر لو كان الوقت بمعنى القول وهو إما عين المقصوص أو بعضه، أما لو بقي على معناه وجعل مقصوصًا باعتبار ما فيه فلا يرد الاعتراض.
هذا ولم يجوزوا البدلية على تقدير نصب: {أَحْسَنَ القصص} على المصدرية، وعللك ذلك بعدم صحة المعنى حينئذ وبقيام المانع عربية، أما الأول فلأن المقصوص في ذلك الوقت لا الاقتصاص.
وأما الثاني فلأن أحسن الاقتصاص مصدر فلو كان الظرف بدلًا وهو المقصود بالنسبة لكان مصدرًا أيضًا وهو غير جائز لعدم صحة تأويله بالفعل، وأورد على هذا أن المصدر كما يكون ظرفًا نحو أتيتك طلوع الشمس يكون الظرف أيضًا مصدرًا ومفعولًا مطلقًا لسدّه مسدّ المصدر كما فيقوله:
لم تغتمض عيناك ليلة أرمد

فانهم صرحوا كما في التسهيل وشروحه أن ليلة مفعول مطلق أي اغتماض ليلة، وما ذكر من حديث التأويل بالفعل فهو من الأوهام الفارغة، نعم إذا ناب عن المصدر ففي كونه بد اشتمال شبهة وهو شيء آخر غير ما ذكر، وعلى الأول أنه وإن لم يشتمل الوقت على الاقتصاص فهو مشتمل على المقصوص فلم لم يتجز البدلية بهذه الملابسة؟ ورد بأن مثل هذه الملابسة لا تصحح البدلية، ونقل عن الرضى أن الاشتمال ليس كاشتمال الظرف على المظروف بل كونه دالًا عليه إجمالًا ومتقاضيًا له بوجه مّا بحيث تبقى النفس عند ذكر الأول متشوقة إلى الثاني منتظرة له فيجيء الثاني مبينًا لما أجمل فيه فإن لم يكن كذلك يكن بدل غلط وعلى هذا يقال في عدم صحة البدلية: إن النفس إنما تتشوق لذكر وقت الشيء لا لذكر وقت لازمه ووقت القول ليس وقتًا للاقتصاص، و: {يُوسُفَ} علم أعجمي لا عربي مشتق من الأسف وسمي به لأسف أبيه عليه، أو أسفه على أبيه.